
نزيه آغا
إسمي نزيه ولكني كنتُ معروفٌ بإسم رياض. كُنتُ مُتأهلاً وأباً لخمسة أولاد تتراوح أعمارهم بين السنتيْن والعشرة سنوات.
كنا نمكثُ في صيدا حيث كُنتُ أعمل كصيادِ سمك. كنتُ أستيقظُ عند الفجر وأذهب إلى البحر لكي أتصيّد ومن ثم أبيعُ الأسماك التي اصطدتها إلى زبائني في كلّ أنحاء المدينة.
إعتاد إبني البِكر فاروق أن يرافقني دائمًا. لكن في الآونة الأخيرة كُنتُ أرفضُ طلبه بسبب تدهور الوضع الأمني. فلقد اختبرتُ بنفسي مدى سوء الحالة الأمنية عندما قامت عناصر مسلحة بتوقيفي وإحتجازي، ليُطلقوا سراحي بعد فترةٍ قصيرة بعد أن تدخل أحد زبائني؛ والذي كان طبيباً من منطقتنا، وأقنعهم بالإفراج عني.
هذه الحادثة جعلتني أُصبح قلقاً في معظم الأحيان. لكن رغمَ ذلك، لم أستطع الحدّ من عملي كبائع سمك كونَهُ العمل الوحيد الذي كان يُأمّن لقمة العيش لعائلتي.
لكن، في إحدى الأيام وبينما كُنتُ ذاهباً الى عبرا، أُوقفتُ على حاجز. كَوني كُنتُ معروفاً من قبل سكان المنطقة بما أنهم كانوا زبائني، فورَ مشاهدتهم للحادثة، سارعوا بالتواصل مع زوجتي جميلة لإخبارها بأنه قد تم احتجازي من قبل رجال ميليشيا. ولكنها عجزت عن الذهاب الى مكان إحتجازي في ذلك اليوم لأن الجيش الإسرائلي كان قد قام بفرض حظر تجول في المدينة.
في صباح اليوم التالي، ذهبت جميلة الى الحاجز عينه وتعرفت على دراجتي النارية. ولكن الرجال المسلحون نكروا رُؤيتي هناك. هم قاموا بنفي ذلك بينما كانوا يقلون السمك الذي بدا واضحًا أنهُ السمك الذي كُنتُ قد إصطدته أنا. قامت زوجتي بعد ذلك بطلب المساعدة من الطبيب الذي جعلهم يطلقون سراحي في المرة السابقة، ولكن هذه المرة لم يكن بإمكانه أو بامكان أي شخص آخر فعلَ أي شيء.
بعد مرور إثني وعشرين عامًا على اختفائي تُم العثور على رفات بشرية داخل بئر بالقرب من مدينة صيدا. فلقد تم إيجاد ثمانية جماجم مع بقايا بشرية أُخرى. لم يكن باستطاعة زوجتي وأولادي معرفة ما إذا كُنتُ من بين هؤلاء الضحايا. وما زال الشك يُراودهم حول مصيري. أما اليوم، فأنا لستُ على قيد الحياة ولستُ في عداد الأموات. يمكن قراءة هذا الغموض الذي يلفُّ مصيري في دعوات زفاف أولادي. إذ أراد كلّ من فاروق ونسرين وفادي وفردوس كتابة إسمي بالقرب من إسم والدتهم، ولكن دون وجود كلمة "مرحوم".
إسمي نزيه آغا (رياض). لا تدعوا قصتي تنتهي هنا.