Mostafa

مصطفى صفا

اسمي مصطفى وكان عمري أربعة عشر عاماً وكنتُ أدرس في مدرسة الغبيري. لم أكن طالباً جيداً. وكانت تتمنى عائلتي لو كنتُ ناجحاً في المدرسة كما كنتُ ناجحاً في جعل أصدقائي يضحكون. ولكن كنتُ أُحبُ الرسم وكان لدي كُرّاسة رُسوم تخطيطيّة التي ملأتها في ذلك الوقت برسوم كريكاتورية وصور شخصيات سياسية؛ من الرئيس السابق الى أمين عام الأمم المتحدة السابق مروراً بالمسؤوليين. كُنت أستمتع بمشاهدة نقاط ضعف شخصياتهم وتناقضاتهم. 

 

كما كان لدي شغف للسينما وكلما كان لدي القليل من المدخرات، كنتُ أذهب الى سينما الريفولي - التي كانت في وسط بيروت -  لمشاهدة فيلماً. عادةً، كنتُ أذهب برفقة شقيقتي أو أعز أصدقائي هشام. أذكر أنني قد رأيتُ مع شقيقتي فيلم "الطيور" للمخرج هيتشكوك. 

 

ولكن في إحدى الليالي في شهر أيلول عام 1975، صادفتُ هشام حينما كنتُ متوجهاً الى منزل خالي في رأس النبع لقضاء الليلة عنده. ولكن إقترح هشام بالذهاب لمشاهدة فيلماً ولم يتطلب الأمر الكثير من الوقت لإقناعي بتغيير مخططاتي. 

 

وعندما كنا على وشك الدخول الى سينما الريفولي، اندلعت طلقات رصاص. إذ أسرعنا بالخروج لإيجاد مأوى وما إن لبث أن وجد مأوًى، نظر هشام الى الوراء ولاحظ بأنني لم أعد ورائه. أمضى الليل كله وهو يبحث عني ورفض مواجهة الواقع بالإضافة الى إمكانية إخبار والدتي عن نبأ فقداني. ولكن في الصباح اليوم الثاني، دخل الى منزلي في الشياح  مهزوزاً ومشوشاً. 

 

كانت تتناول والدتي الإفطار مع شقيقتيّ في الفناء الخلفي عندما انهارت الأرض تحت أقضامهم. ولكن بعد فترة وجيزة من تلك الصدمة، جمعوا كل القوة التي كانوا يتملكنوها وبدأوا بالبحث عني في المشارح. 

 

ولكن دون جدوى، لم يجدوا شيئاً. ولا أثر. لم يكن هناك رفات حتى. 

 

اسمي مصطفى صفا. قصتي لا تنتهي هنا.