
كمال حسون
إسمي كمال وكأي رجلٍ يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً كنت مثابراً في عملي ولا سيما لأنني كنت مسؤلاً عن صيانة الآلات في شركة سنجر. أحببت عملي مما زاد من اجتهادي فيه. ولكن لم يكن هذا السبب الوحيد الذي جعلني مثابراً فيه. إذ إحدى الأشياء التي كانت عزيزة على قلبي ومهمة لي هي تأمين حياةً ودراسةً جيدة لأولادي الأربعة. وكنت اشتري لهم ثياباً أنيقة في كل عيد وكل مناسبة. أحببت رؤية الإبتسامة على وجوههم حين يتلقون تلك الملابس والهدايا.
ولكن كانت ستتبدل حياتي وحياة أولادي بشكلٍ مفاجئٍ في كانون الثاني عام ١٩٧٦.
في إحدى الأيام، ذهبت مع ابنتي إلى السوبر ماركت القريبة من منزلنا في السبتيه لابتياع بعد الحاجات وعدنا إلى المنزل. ولكن عند وصولنا إلى المنزل لاحظت بأنني قد نسيت شراء بعض الشاي. لذلك عدت إلى المتجر ولكن هذه المرة بدون إصطحاب أحدٍ معي.
كانت تلك المرة الأخيرة التي رآني فيها أولادي. كانوا صغاراً جداً. كانت ابنتي البكر لا تتخطى الخامسة من عمرها. تلحقها سونيا التي كانت تبلغ الرابعة من عمرها وثم فاتن ذات السنة وفادي الذي ما زال عمره خمسة عشر يوماً فقط.
بعد اختفائي، اضطرت عائلتي إلى الإنتقال من المنزل الذي كنا نعيش فيه وذلك لأن لم تستطيع زوجتي دفع الإيجار بدون مدخولي. واضطرت إلى البحث عن العمل والسعي وراء وظائف عدة لإعالة العائلة.
عندما تدهور الوضع في لبنان، قررت الهجرة لحماية اولادنا من أي أذى. وقدمت للحصول على جوازات سفر. ولكن السلطات رفضت طلبها مدعيةً بأن تلك الإجراءت تتطلب حضور الأب. حاولت أن تشرح لهم بأن الوالد قد "فقد" وبالتالي من المستحيل أن يحضر. ولكنهم لم يصغوا لها. وعرضوا عليها حلاً وهو بأن تعلن وفاتي.
بالإضافة إلى المعانات النفسية التي نشأت من خلال عدم معرفة مصيري، كان هنالك قيود مالية وإدارية وقانونية. وكانت شجاعة زوجتي هي التي مكنتها من مواجهة كل تلك المواقف، بينما كانت تربي أربعة أولاد.
لكن إضطرت الكثير من الزوجات والأمهات من مواجهة نفس الصعوبات. يحاربون لمعرفة مصير أزواجهن. إضطروا إلى إعالة أسرهن وضمان أطفالهن رغم كل الصعبات - طفولة طبيعية. كلهم ضحايا منسيين لحربٍ مروعة.
إسمي كمال حسون. لا تدعوا قصتنا تنتهي هنا.