
جهاد عيد
إسمي جهاد ومنذ صغري أردتُ أن اتبعَ خطواتِ جدّي بالإنضمامِ إلى الجيش اللبناني. وعندما بلغتُ العشرينَ من عمري حققتُ حلم الطفولة وأصبحتُ جندياً بينما كنتُ أُتابع دراستي في علم الحاسوب في الجامعة اللبنانية.
لم يكن انضمامي إلى الجيش كما توقعتُ إذ لم أدرك كم كبر التضحية لخدمةِ الوطن.
وفي تشرين الأول عام 1990 إنتقلَ مركزي في الجيش إلى منطقة السانت تريز في الحدث على بُعد خمس دقائق من منزلِ أهلي. تَمكنت أفواج من الجيش السوري من الدخولِ إلى المنطقة وقاموا بإطلاقِ الرصاصِ علينا. أدَّى ذلك إلى اصابتي في رجلي واصابت زميلي كلود بجروحٍ قاتلة. وثم أخذني الجنود السوريين إلى مركز الإعتقال في "بو ريفاج". بعد ثمانية عشرَ يوماً بُعِثتُ إلى عنجر ومن بعدها إلى سوريا. عَلِم أهلي بالأمر من قبل زميل لي كان قد تم الإفراج عنه.
ضحت أمي كثيراً من أجلي، إذ قامت بإنفاقِ جميع مدخراتها للسفر إلى سوريا. وفي بعض الأحيان اضطرت أن تدفع لبعضِ الظُبات للحصولِ على معلومات بمكان إحتجازي. وبعد سنة من إختفائي تمكنت من إيجادي ولكن لقائنا لم يكن سعيداً.
مشهد الإستقبال فور وصولها إلى السجن كان مروعاً إذ رأت سبعة مساجين مقيدين وحافين الأقدام ومعصوبين الأعين. كانت الدماء تملأ وجوههم وأعناقهم واذانهم... وواحدٌ منهم كان يشبهني. ارادت والدتي الصراخ وارادت أن تعرف أياً من الجنود ولدها. ولكن الصدمة طغت عليها ولم يكن بإستطاعتها فعل أي شيء. أُغمي على والدتي ولا زالت تلك الصور تطاردها حتى اليوم.
لم تفقد والدتي الأمل. منذُ زيارتها للسجون السورية لم تتوقف عن الإخبار عن فظاعة الوضع وعن طلب المساعدة. أصبحت والدتي رئيسة لجنة أهالي المعتقلين في سوريا وشاركت في الإعتصامات اليومية في خيمة أهالي المفقودين. تأمل والدتي لتأثير بالرأي العام والسلطات اللبنانية من خلال إظهار يأس العائلات ومدى تأثرهم بالوضع.
واليوم تعبت والدتي واستنفزت نتيجة عدم تحرك البعض وتخييبهم لامالها وامال الأخرين. أعلم بمدى اشتياقها لي وأعلم بأنها لن تنساني أبداً فهي لا زالت تحتفل بعيد ميلادي كل سنة.
إسمي جهاد عيد ووالدتي سونيا عيد. لا تدعوا قصتي تنتهي هنا