
هنرييت حداد
إسمي هنرييت وهذه الصورة هي الصورة الأخيرة لي في لحظاتٍ سعيدة.
كنت أبلغ من العمر ثمانية وخمسين عاماً وكان لدي عشرة أحفاد. أحببت رعايتهم إذ كانت تجلب لي السعادة. كما أحببت مشاهدتهم وهم يكبرون واللعب معهم ورؤية الضحكة على وجوههم. لم أكن أرضى بمقايضة إمضاء وقتي معهم بأي شيء في الدنيا.
لكن في نفس الوقت، بقيْتُ في كوني إمرأةً نشطةً ومُستقلّة. كان لي عادة الاستيقاظ في الصباح الباكر لكي يكون لي ما يكفي من الوقت للوفاء بجميع المهام المبينة لذلك اليوم.
قبل إندلاع الحرب، كنتُ قد فتحتُ متجراً للملابس وكنتُ أحبُ العمل فيه والإهتمام به. ولكن، ومثل الكثير من اللبنانيين، أجبرتنا الحرب على الإنتقال وترك كل شيء وراءنا.
إنتهى الأمر بي وبزوجي بالإنتقال إلى أمريكا الشمالية للإنضمام إلى أولادنا الثلاثة الذين كانوا يعيشون هناك.
مع ذلك، كلما كانت الأمور تهدأ في لبنان كنا نعود للزيارة. كنا نريد رؤية أقربائنا الذين تركناهم ورائنا والإستمتاع بالأشياء التي قد غابت عنا بينما كنا خارج الوطن، ولو كان ذلك لبضعة أيام فقط.
عُدتُ إلى لبنان في أيلول من عام 1985، وكانت تلك هي زيارتي الأخيرة. لقد خُطفت في 26 أيلول بينما كنتُ أعبر بالسيارة خط التَماس بجانب المتحف الوطني.
بينما كنا نظّنُ أننا قد أبعدنا عائلتنا عن العنف من خلال رحيلنا، إلا أن الحرب استطاعت اللحاق بنا.
بعد مرور سنين عدة على اختفائي أتى شخص إلى أقربائي وقال لهم بأنهُ كان جاراً لي في قبو الاحتجاز في مركز يقع في منطقة البسطة. كما قال لهم في حينها أنني كنتُ أردد بإستمرار أسماء أولادي الأربعة.
بالنسبة لعائلتي، فلقد كانوا في بادئ الأمر مُرتبكين وضائعين، ومن ثم أصبحوا يشعرون باليأس والعجز.
ثلاثون عاماً قد مرَّت وما زال جرحُ عائلتي مكشوفٌ ومؤلم.
ومع ذلك، لا تزالُ أيضا ذكريات وصور اللحظات السعيدة التي قد قضينا كأسرة واحدة.
اسمي هنرييت حداد. لا تدعوا قصتي تنتهي هنا .