
أحمد هرباوي
إسـمي أحمـد كنـت الإبـن الاكبـر فـي عائلتـي، وأخـذت هـذا الـدور علـى محمـل الجـد. بعـد وفـاة والـدي، أصبحـت ُ أنـا المعيـل لأمي وأخوتـي السـتة. كنـت شـخصا مسـؤولا، ولكنـي فـي الوقت نفسـه كنـت أقوم بأعمال شغب مع أخوتي. كنا نتسلل من البيت ونذهـب إلـى سـاحة الشـهداء حيـث كنـا نجتمع مـع أصدقائنا. غالبا مـا كان ذلك يسـبب لنـا الكثيـر مـن المتاعـب مـع والدتنا. وأنـا مـن كنـت دومـا أتَلّقـى اللـوم بـدلا منهـم.
مـع بدايـة الحـرب، كنـت على وشـكِ فتـح متجر كـي أساعد عائلتي و كـي استقر ّ وأكون عائلـة لنفسـي. ولكـن مخططـي لـم يكتمـل. حيـن كانـت الحـرب لا تـزال فـي أشـهرها الاولـى ومع اشتداد الاشتباكات، قررنا أن نترك منطقـة النبعـة حيـث كنـا نعيـش مـع جدتـي ونستقر فـي ناحيـة بيـروت الغربيـة.
ذات يـومٍ ، وبينمـا كنـت راكِبـا سيارة أجرة، برفقة أمي وأختي متجهين إلى بيتِنـا الجديد بعـد زيـارة جدتـي، أوقفنا حاجز علـى الطريق. طلب منـي التَرجل من السـيارة، وكذلك طلـب مـن راكبين آخريـن – تاركين أمـي وأختي في سـيارة الأجرة.
أمي خديجة صاحت وصرخت توسّلا للرجال المسلحين كي يدعوني وشأني. لكنهم لم يفعلوا ذلك.
كالعديــد مــن عائلات الأشــخاص المفقودين، تلقت أمــي مكالمــات مــن أشــخاص وعدوها بـأن تكلمنـي عبـر الهاتـف مقابـل مبلـغ مـن المـال. فـي كل مـرةٍ ، كانـت تدفـع المــال المطلـوب. وفــي كل مــرةٍ ، كانــت تأمــل أن تكــون هــذه المــرة مختلِفــة عــن سابقتها، وأنه ّ بإمكانها أن تثــق بهــذا الشــخص. لكنهــا لــم تتكلـــم معــي قــط. لقــد استفاد هـؤلاء الأشـخـاص مـن وضعِهـا، واستغلوا يأسـها. أصبحـت أمـي محطمـة، وأثّــر ً ذلــك كثيــرا ّ علــى صحتِهــا.
منـذ ذلـك الحيـن، وهـي لـم تتوقـف عـن البحث عنـي. خلال ذلـك، تَعَّرَفـت علـى أهالي يعانـون مـن ألـم المأسـاة نفسـهما، فبدأوا يطالبون معـا بالإفراج عـن أحبائهـم. حتى هـذا اليـوم، حضـرت أمـي جميـع التظاهرات والاجتماعات، مطالبة الحصـول علـى أجوبـة. لكـن منـذ أيـامٍ قليلـةٍ ، فـي يـومِ عيـد الأم، توفيـت أمـي. مثـل أوديـت ونايفـة والعديــدِ مــن الأمهــاتِ الأخريــات، ماتــت أمـي مــن دون أن تعــرف مــا الــذي جــرى مــع ابنِهـا. لكن نضالهن لم ينته. إسمي أحمد هرباوي. لا تدعوا قصتنا تنتهي هنا.